ظَلَّ أهل اللغة العربية والأدب والعلم في مصر يَتطلَّعون إلى إنشاء مجمع للغة العربية يعمل على تَقدُّم اللغة، والنهوض بها، ودفعها نحو آفاق رحبة من التَّطوُّر والتجديد. حَدَّد المرسوم الملكي، الذي صدر بإنشائه، أهدافه بأنها بذل الجهود للحفاظ على سلامة اللغة العربية، وجعلها وافية بمتطلَّبات العلوم والفنون ومستحدثات الحضارة المعاصرة، والعمل على وضع معجم تاريخي لُغويٍّ، والعناية بدراسة اللهجات العربية الحديثة في مصر وغيرها من البلاد العربية، وإصدار مجلةٍ تَنْشُر بحوثاً لُغويَّة، والعناية بتحقيق نفائس التراث العربي.
تَكوَّن المجمع من نخبة من العلماء المعروفين بِتعمُّقهم في اللغة العربية أو ببحوثهم في فقهها ولهجاتها دون تَقيُّد بالجنسية. بذلك اصطبغ بصفة العالمية منذ نشأته، فَضمَّ أعضاء مصريين وغيرَ مصريين من أشقائهم العربِ ومن المستعربين، كما ضَمَّ أعضاء فخريين ومراسلين. ووضع العديد من القرارات التي كان لها أبعد الأثر في تيسير وضع المصطلحات العلمية، والتعريب، والألفاظ المُولَّدة، وفي التصريف، حتى يُمَكِّن العربية من أن تصبح مرنة في التعبير عن لُغةِ العلم والمعرفة والحياة والحضارة.
مضى المجمع في أعماله اللغوية والأدبية والعلمية، ونما نُموّاً مُطَّرداً، وواصل منجزاته في مختلف المجالات، وتَمَّت مراجعة قوانينه، وأُعِيد تنظيمه أكثر من مرةٍ ليتواءَم مع مقتضيات التَّطوُّر، ويَعقِد المجمع مؤتمراً سنويّاً يضم أعضاء المجمع وبعض الأعضاء المراسلين من مختلف بلاد العالم. وينظر المؤتمر في أعمال لجان المجمع، وما أَعدَّه أعضاؤه من بحوث ودراسات ومحاضرات تعالج الكثير من الموضوعات المُهمَّة في مجالات اللغة والعلم والأدب والفن، وكذلك تيسير النحو والكتابة العربية، ولغة العلم، ولغة الإعلام، والفصحى، والعامية، والعربية المعاصرة، والمصطلح العلمي العربي، والتراث العربي، والتعريب. وتُبلَّغ قرارات المؤتمر وتوصياته إلى المجامع والجامعات والوزارات المعنية في الوطن العربي.
لدى المجمع مكتبة غَنيَّة بالكتب والمعجمات ودوائر المعارف والمراجع والموسوعات في اللغة والآداب والعلوم والفنون، والمطبوعات النفيسة في اللغة، وفي جميع فروع المعرفة؛ إضافة إلى الكثير من كنوز المخطوطات ومُصوَّراتها. عُنِيَ بتصنيف موجوداتها وتسجيلها بالحاسب الآلي، كما عُنِيَ بنظام الجذاذات فوضع قواعد ترتيبها وحفظها، ودَوَّن أكثر من سبعين ومئة ألف مصطلح مُوزَّعة على سبعة وثلاثين فرعاً من فروع المعرفة. كما سَجَّل جميع المصطلحات العلمية والفنية التي أَقرَّتها لجانه ومؤتمراته في مجالات العلوم المختلفة على قرص مدمج وقام بتوزيعها على المجامع اللغوية والهيئات العلمية والثقافية والإعلامية على امتداد الوطن العربي.
يُصِدر المجمع مَجلَّة علمية نصف سنوية صدر منها، حتى الآن، أكثر من مئة عدد، كما ينشر ما يُقدَّم في مؤتمره السنوي من بحوث ودراسات لُغويةٍ وعلميةٍ يُعتَد بها في متن اللغة، وتيسير النحو، والقياس في اللغة والمعاجم الأوروبية، وتاريخ اللهجات المصرية، وكتابة التاريخ عند العرب، وفي الاشتقاق، والتعريب، والفصحى المعاصرة، وتعريب المصطلح العلمي، وغير ذلك.
إضافة إلى إسهامات المجمع العلمية الرائدة الأخرى في خدمة اللغة العربية، أصدر مجموعة كبيرة من المعاجم اللغوية العامة والمتخصصة عبر مسيرته الممتدة أكثر من ثمانين عاماً. ومن تلك المعاجم: “المعجم الكبير”، “المعجم الوسيط”، “المعجم الوجيز”، و”معجم ألفاظ القرآن الكريم”. تَميَّزت بتنوِّعها واستجابتها لحاجات مستخدمي اللغة العربية؛ رابطةً حاضر العربية بماضيها، ومستفيدةً مما جَدَّ من مناهج علمية حديثة في مجال صناعة المُعجَم. تَضمَّنت المعاجم اللغة والأدب والنحو والصرف والبيان والبلاغة، والعلوم القرآنية، والمصطلحات الشائعة في التاريخ والجغرافيا وعلم النفس والفلسفة والمعارف الإنسانية وعلوم الحياة والطب والرياضيات والحضارة وشتى المصطلحات العلمية والفنية الأخرى. كما أصدر المجمع العديد من الكتب الثقافية التي تُعرّف به وبالمجمعيين.
كتبت هذه السيرة الذاتية في عام استلام الجائزة.